قبل ١٩ يوم كنت مختلفة نوعاً ما. لم أكن أكتب أي مما يدور في خاطري, فقد تركت الكتابة منذ زمن. قبل ما يقارب الأربع سنوات. كنت أكتب بصورة شبه مستمرة, ثم توقفت. لا أعلم لماذا. أعادني هذا التدريب كثيراً للوراء, و بنفس الوقت دفعني للأمام. أشعر أنني تحسنتُ كثيراً و أن مزاجي تحسن و أني أصبحت أكثر استقراراً. وجدتُ طريقةً للتعامل مع أي شيءٍ يعكر مزاجي. أصبحتُ أكتب.
الكتابة هي حديثي بيني أنا و نفسي, عقلي و قلمي و ورقي, دون خوف أو ندم. أشعر براحة كبيرة بعد كل مرة أكتب فيها. أشعر أنني أتحدث مع الأشخاص الذين أكتب عنهم. ربما لو قرأوا ما أكتب عنهم سيسعدون, و بعضهم سيحزن. فأنا أكتب دون قيود و دون استبعاد لأي فكرة تأتيني. ينسابُ الحبرُ على الورق بكل سهولة منذ أن بدأت هذا التدريب. لم أعد أبذل جهداً كبيراً كي أكتب شيئاً ما. أنا فقط أمسك الورقة و القلم و أكتب. لا أنتظر جملاً سجعية. أنا أكتب و حسب. أكتب دون توقف.
هناك الكثير و الكثير الذي تراكم خلال هذه السنوات التي انفصلت فيها عن الكتابة, و ها أنا الآن أجد المساحة التي أودع فيها أسراري التي أثقلتني و مشاكلي, مساحة أحكي فيها ما أشاء, فأنا المتحدثة و المستمعة. لا أحد سيرفض ما سأكتب و ما سأطرح, أنا سيدة اللعبة و الموقف.
تخلق الكتابة عالماً آخر, لا يرغب في مغادرته من يدخله. الكتابة مملكتي و أنا مليكتها, لا أخشى أن يُقال أني حقودة أو سريعة الغضب أو فائقة الحساسية. لقد أصبحت أكثر صبراً في كل شيء عدا في لهفتي لملاقاة قلمي لكتابة كل انفعال و تفصيل أحببته أو كرهته في شخص أو شيء, أكتب مشاعري, نبضات قلبي, ضحكة عيني. أصيغُ كل شيء بكل حرية و هدوء, بكل رفاهية و دون أن يقاطعني أحد.
لا تنتظر الكتابة مقابلاً , الكتابة لا تخون و لا تفشي الأسرار, و لا ترهق بانتظار مبادلة المشاعر. لا نحتاج لشيء لنكتب, كلنا نستطيع أن نكتب, الصغير و الشاب و المسن. فقط تعلمي الحروف و الكلمات, ثم قومي بصياغة الجمل و تركيبها.
لقد تعلمت الكثير من مدربتنا, سارة. تعلمت أن الكاتب يولدُ شخصاً عادياً ثم يصقل موهبته بالممارسة فقط, فكل شيءٍ ممكن, و كذلك الكتابة. تعلمت أن الفضفضة لها مفعول سحري مع أولئك الذين نستطيع أن نثق بهم. الكتمان يقود إلى الانهيار, لذا علينا أن نعالج أبسط الأمور بالكتابة قبل أن تتراكم.
تعلمت أن أبكي, و أن هناك من يتمنى البكاء و لا يستطيع بينما كنت أنا أقاوم البكاء خشية أن يجعلني ضعيفة. في هذا الفضاء الآمن, تعلمت أن البكاء نعمة تجدد الكثير فينا و تخرج ما راكمه فينا الزمن. فالأيام تمضي و الأفكار تتجدد و تتغير و كذلك الناس من حولنا, و لا يبقى معك سوى قلبك و ذكرياتك.
تعلمت أيضاً أن علم و عمل الفتاة لا يمكن أن يخذلانها, و هكذا أصبحت أكثر استقلالية و صارت طموحاتي أكبر. تعلمت أني لست ناقصة دون رجل و أن اتزاني و طيبتي و استقلالي يجعلونني امرأة جبارة. أحب هذا الوصف كثيراً! نعم, أنا امرأة جبارة! سأحقق كل ما أصبو إليه, فأحلامنا ليست مقيدة بوقت معين. أحلامنا معنا منذ الولادة, حتى إذا تزوجنا أو سافرنا أو تنقلنا, يجب أن تكون لنا هوية. كنت أظن في السابق أني إذا تزوجت, فيجب بالضرورة أن تتغير أحلامي و شخصيتي. الآن أفكر في الزواج كإضافة لا كمعوق للإنجاز. المرأة مثل الرجل و قيمتها بإنجازها.
تمارين صناعة الشخصيات التي استعملناها لصنع شخصيات “فلانية و علانية” أثارت فضولي و جعلتني أفكر في شخصيتي و حياتي بشكل أكبر و أعمق. تمرين “الحساسية” جعلني أفكر في ذاتي و هويتي, أما تمرين “الشخصية العميقة” فقد جعلني أعيد النظر في التفكير و تحليل شخصيات الآخرين و الانشغال بشخصيتي أنا و الوصول إلى أعماق ذاتي عوضاً عن الحكم على الآخرين. إذا استطعت فهم ذاتي, سأتمكن من إدارة الأمور من حولي بشكل أفضل.
عرفتُ أن القوة تأتي من داخل الإنسان, ما دون ذلك هو مسألة اجتهاد للوصول. كما تعلمتُ أن الاستماع للآخرين جميل, مهما كانوا مختلفين في العمر و الصفات و المستويات الدراسية و الثقافية, فكل إنسان له فكرٌ مبدع و أفكار عظيمة و تجارب و حروب و معارك تنتظر أن نسمعها و نشعر بقيمتها. مجموعة الكتابة الإبداعية هذه كونت منا كتيبة من النساء, نساند بعضنا البعض. لا أستطيع أن أصف مدى تعلقي بزميلاتي و مدربتنا, ننتظر الساعة الرابعة عصر كل يوم بفارغ الصبر لنتكلم و نكتب. أشعر بشعور غامر كون هناك من منحني جزء من روحه و طاقته.
تعلمتُ أن الإنصات ليس سهلاً, فكل شخص يريد أن يكون مسموعاً دون أن يعرف أهمية أن يستمع هو للآخرين. تعلمت أن أبذل جهدي للإنصات خاصة في عمل جماعي لكتابة قصة أو مجموعة قصص مشتركة. تدفق الأفكار المشتركة يخلق إبداعاً مختلفاً عن ذلك ذي الصوت الواحد.
تعلمتُ أن أعترض على الفكرة دون الاعتراض على شخص صاحبها. كنا مجموعة تختلف كل واحدة منا فيها عن الأخرى كلياً, و هذه أول مرة أجتمع مع نساء ذوات شخصيات و تجارب مختلفة لهذا الحد. رغم أننا كنا تسع فقط, إلا أن كل واحدةٍ منا كان لها عالمها و قوانينها. أصبحت أضحك كثيراً حين نختلف. أعرف أن فكرةً عظيمة ستخرج حصيلة الجدال و الاختلاف.
فضاء آمن. لا حواجز و لا طبقات, كلنا سواء. نأتي كل يوم و نخلع كل رداء و هالة و حاجز قبل أن ندخل إلى الصف.
الكثير من حولي و الذين يعرفونني من قبل, يقولون لي مؤخراً أن ابتسامتي باتت جميلة, ابتسامتي التي فقدتها لفترة طويلة. هذه التجربة أعادت لي ابتسامتي, و أنا أحبها كثيراً, و سأحميها مهما حدث بعد اليوم. أحب ذاتي التي تحققت بوجودي معكن. أحب كل شيء فيّ, تقاسيم وجهي و شكلي. أنا راضية و أقبل نفسي كما أنا.
تعلمتُ الاسترخاء و أن الألم ليس درجات أو تفاوت. يجب أن يمر كل شيء بمراحله. حتى تلك القصة المكونة من ٥ حلقات, تحتاج للكثير من الجهد و المراحل. أعطيناها الكثير و أعطتنا الكثير بالمقابل. حين كانت تتعقد الحبكة و تصعب علينا كنا نتوقف لبرهة ثم نعاود من زاوية أخرى. هذه أصبحت استراتيجيتي للتعامل مع الحياة.
تعلمت الهدوء و التامل بلطف و القيادة المرنة, كما عدت للرسم! تعلمت أن ألملم قطعي المتناثرة و الأشياء المتفرقة التي كنت أقوم بها في الماضي. تعلمت أن لا أوافق على كل ما يُعرض علي إلا بعد الإطلاع و التفكير الدقيق.
تعلمتُ أن أكون كالأمير الصغير.
شكراً.